فصل: تفسير الآيات (6- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (42- 46):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
وقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} يعني: قريشاً، قال البخاري عن غيره: {أَيَّانَ مرساها} متَى مُنْتَهَاهَا، ومُرْسَى السفينةِ حيثُ تَنْتَهِي، انتهى، ثم قال تعالى لنبيه على جهة التوقيفِ: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي من ذِكْرِ تَحْدِيدِها ووقتِها، أي: لستَ من ذلك في شيء، إنما أنت منذر، وباقي الآيةِ بيِّنٌ، قَال الفخر؛ قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} تفسيرُ هذه الآيةِ هُو كما ذَكَرَ في قوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} [الأحقاف: 35] والمعنى: أن ما أنكرُوه سَيَرَوْنَه حتَّى كأنَّهُمْ كَانُوا أبَداً فيهِ، وكأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا في الدُّنْيَا إلا ساعة من نهارٍ، يريدُ لم يلبثوا إلا عشيَّةً أو ضُحَى يومها، انتهى.

.تفسير سورة عبس:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)}
قوله تعالى: {عَبَسَ وتولى * أَن جَاءَهُ الأعمى} سَبَبُها: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يدعُو بعضَ صَنَادِيدِ قريشٍ ويقرأ عليه القرآن ويقول له: هل ترى بما أقولُ بأساً، فكان ذلك الرجلُ يقول: لا والدمى يعني الأصْنَام؛ إذ جَاء ابنُ أم مكتُومٍ؛ فَقَالَ: يا رسول اللَّه! اسْتَدْنِنِي وَعَلِّمْنِي مما علَّمَك اللَّهُ؛ فكان في ذلك كلِّه قطعٌ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الرَّجُلِ، فلَما شَغَبَ عليه ابنُ أُم مكتوم عَبَسَ صلى الله عليه وسلم وأعْرَضَ عنه»؛ فنزلتِ الآيةُ، قال سفيانُ الثوريّ: فكَانَ بعدَ ذلك إذَا رأَى ابنَ أم مكتومٍ قال: مَرْحَباً بمن عَاتَبَنِي فيه ربِّي عز وجل وبَسَطَ له رداءَه واسْتَخْلَفَه على المدينةِ مرتين، * ت *: والكافرُ المشارُ إليه في الآيةِ هو: الوليدُ بن المغيرة؛ قاله ابنُ إسْحَاق، انتهى، ثم أكَّد تعالى عَتْبَ نبيه بقوله: {أَمَّا مَنِ استغنى} أي بمالِه، {فَأَنتَ لَهُ تصدى} أي: تَتَعَرَّضُ.

.تفسير الآيات (9- 12):

{وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)}
وقوله: {وَهُوَ يخشى} أي: يخشَى اللَّه، {فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} أي تَشْتَغِلُ، تَقُولُ لَهِيتُ عن الشيء ألْهَى إذا اشْتَغَلْتُ عنه، ولَيْسَ من اللَّهْوِ، وهذه الآيةُ السببُ فيها هذا؛ ثم هِي بَعْدُ تَتَنَاولُ مَنْ شَارَكَهم في هذه الأوصافِ، فحمَلةُ الشَّرْعِ والعِلم مخاطبونَ بتقريبِ الضَّعِيفِ من أهلِ الخير وتقديمِه على الشريفِ العارِي من الخيرِ، مثلَ ما خُوطِبَ بهِ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورةِ، قال عياضٌ: وليسَ في قوله تعالى: {عَبَسَ وتولى} الآيةَ، ما يَقْتَضِي إثباتَ ذَنْبٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه خَالفَ أمْرَ ربِّه سبحانه، وإنَّما في الآيةِ الإعلامَ بحال الرجلينِ، وتَوْهِينِ أَمْرِ الكافرِ، والإشارةُ إلى الإعراضِ عنه، انتهى، قال السهيلي: وانظرْ كيفَ نزلتِ الآيةُ بلفظِ الإخبارِ عن الغائبِ فقال: {عَبَسَ وتولى} ولم يقل: عَبَسْتَ وتولَّيْتَ، وهذا يُشْبِهُ حال العاتِب المُعْرِضِ، ثم أقبل عَلَيْهِ بمواجَهَةِ الخطابِ فقال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} الآية، عِلماً منْه سبحانه أنَّه لَمْ يَقْصِدْ بالإعراضِ عن ابن أم مكتوم إلا الرغبةَ في الخيرُ ودخولِ ذلكَ المشركِ في الإسلام؛ إذ كان مثلُه يُسْلِم بإسلامِه بَشَرٌ كثيرٌ، فكلَّمَ نبيَّهُ حينَ ابتدأَ الكلامَ بِمَا يشبه كلامَ المُعْرِضِ عنه العاتِب له، ثم واجَهَهُ بالخطابِ تأنيساً له عليه السلام، انتهى، ثم قال تعالى: {كَلاَّ} يا مُحَمَّدُ، ليسَ الأَمْرُ كما فعلتَ، إنَّ هذه السُّورَةَ أو القراءةَ أو المعاتبةَ تَذْكِرَةٌ، وعبارةُ الثعلبي: إن هي السورةَ، وقيل: هذه الموعظةَ، وقال مقاتلٌ: آياتُ القرآن تذكرةٌ، أي: مَوْعِظَةٌ وتَبْصِرةٌ للخلقِ، {فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ} أي: اتَّعظَ بآي القرآن وبما وعظتُكَ وأدَّبتُكَ في هذه السورةِ، انتهى. * ص *: {ذَكَرَهُ} ذكَّرَ الضمير؛ لأنَّ التذكرةَ هي الذكرُ، انتهى.

.تفسير الآيات (13- 16):

{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
وقوله تعالى: {فَى صُحُفٍ} متعلقٌ بقولهِ: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} وهذا يؤيد أن التذكرَة يراد بها جميعُ القرآن، والصحف هنا قيل إنه اللوحُ المحفوظُ: وقيلَ صحفُ الأنبياءِ المنزلةُ. قال ابن عبَّاسٍ: السَّفَرَةُ هم الملائِكَةُ، لأنَّهم كَتَبةٌ يقال: سَفَرْتُ، أي: كتبتُ، ومنه السِّفْرُ، وقال ابن عباس أيضاً: الملائكةُ سَفَرةَ لأنهم يَسْفِرُونَ بينَ اللَّه وبين أنبيائه، وفي البخاري: سَفَرةُ الملائكةِ واحدُهم سَافِرٌ، سَفَرَتْ أصْلَحَتْ بينهم وجُعِلَتِ الملائكةُ إذَا نَزَلَتْ بوحي اللَّه عز وجل وتأديته كالسَّفِيرِ الذي يُصْلِح بَيْنَ القوم، انتهى، قال * ع *: ومن اللفظةِ قول الشاعر: [الوافر]
وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي ** وَمَا أسعى بِغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ

والصُّحُفُ على هذا: صحفٌ عند الملائِكة أو اللوحُ.

.تفسير الآيات (17- 22):

{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)}
وقوله تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ}: دعاء على اسْمِ الجنسِ، وهو عُمُومٌ يرادُ به الإنسانُ الكافِرُ، ومعنى {قُتِلَ}: أي: هو أهلٌ أنْ يُدْعَى عليْه بهذا، وقال مجاهد: {قَتِلَ} معناه: لُعِنَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ * ت *: ليسَ بتحكمٍ وقد تقدم نحوُه عن غيرِ واحدٍ.
وقوله تعالى: {مَا أَكْفَرَهُ} يحتملُ معنى التعجبِ، ويحتملُ الاستفهامَ توبيخاً، وقيلَ: الآيةُ نَزَلَتْ في عُتْبَةَ بنِ أبي لهبٍ، وذلك أنَّه غَاضَبَ أبَاه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسْلَم ثم إن أباه اسْتَصْلَحَه وأعطَاه مالاً وجهَّزَه إلى الشامِ، فبعث عتبةُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنِّي كافرٌ بربِّ النَّجْمِ إذَا هوى فدعَا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهمَّ ابْعَثْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ حَتَّى يَأْكُلَهُ»، ثم إن عُتْبَةَ خَرَجَ في سُفْرَة فجاءَ الأسَدُ فأكلَه من بينْ الرُّفْقَةِ.
وقوله تعالى: {مِنْ أَىِّ شَئ خَلَقَهُ} استفهامٌ على معنى التقرير على تفاهةِ الشيءِ الذي خُلِقَ الإنسانُ منه، {فَقَدَّرَهُ} أي جعَلَه بقَدَرٍ وَحَدٍّ معلومٍ، {ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} قال ابن عباس وغيره: هي سبيلُ الخُرُوجِ من بطن أمِّهِ، وقال الحسنُ، ما معناه أن السبيلَ هي سبيلُ النظرِ المؤدِّي إلى الإيمانِ.
وقوله {فَأَقْبَرَهُ} معناه: أمَر أنْ يُجْعَلَ له قبرٌ، وفي ذلك تكريمٌ له؛ لِئَلاَّ يطرحَ كسائرِ الحيوان.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ} يريدُ: إذا بَلَغَ الوقتَ الذي قَدْ شاءَه؛ وهو يومُ القيامةِ، و{أَنشَرَهُ} معناه: أحْيَاه.

.تفسير الآيات (23- 33):

{كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)}
وقوله تعالى: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ} أي لم يَقْضِ ما أمره، ثم أمَرَ اللَّهُ تعالى الإنسانَ بالعبرةِ والنظرِ إلى طَعامِه والدليل فيهِ وكيفَ يسَّره له بهذهِ الوَسَائِط، والحَبُّ جمعُ حَبَّةٍ بفتحِ الحاءِ، وهو كل ما يتخذُهُ الناسُ ويربونه، والحِبَّةُ: بكسرِ الحاءِ كُلَّ مَا يَنْبُتُ من البزُور لا يُحْفَلُ به، ولا هو بمتَّخَذٍ، والقَضْبُ قِيلَ هي الفِصْفِصَة وهذا عندي ضعيف؛ لأن الفِصْفِصَةَ للبهائِم وهي داخلةٌ في الأبِّ؛ والذي أَقول به أن القضْبَ هنا هو كلُّ ما يقْضَبُ ليأكُلَه ابنُ آدم غَضَّا من النباتِ كالبقُولِ والهِلْيُونِ ونحوه؛ فَإنَّه من المَطْعُوم جِزءٌ عظيمٌ ولاَ ذِكْرَ له في الآية إلاَّ في هذه اللفظةِ، والحديقةُ: الشجَرُ الذي قد أُحْدِقَ بجدار ونحوِه، والغُلْبُ: الغِلاظُ الناعِمَةُ، والأبُّ المَرْعَى والكلأ؛ قاله ابن عباس وغيره، وقد توقَّفَ في تفسيرِه أبو بكرٍ وعمرُ رضي اللَّه عنهما و{متاعا}: نصْبٌ على المصدرِ، والمعنى: تَتَمَتَّعُونَ به أنتم وأنعامُكم؛ فابن آدم في السَّبْعَةِ المذكورةِ، والأنْعَامُ في الأَبِّ، و{الصاخة}: اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة. * ص *: قالَ الخليلُ: الصَّاخَّةُ صَيْحَةٌ تَصُخُّ الآذانَ صَخَّا، أي: تُصِمُّها لشدةِ وقْعَتِها، انتهى.

.تفسير الآيات (34- 42):

{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} الآية، قال جمهورُ الناس: إنما ذلكَ لشدةِ الهَوْلِ كلٌ يقولُ نَفْسِي نَفْسِي، وقيل: فرارُهم خوفاً من المُطَالَبَاتِ، {لِكُلِّ امرئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} عن اللقاءِ معَ غيرهِ، ثم ذكر تعالى اختلافَ الوجوهِ من المؤمنينَ الواثقين برحمةِ اللَّه؛ حين بَدَتْ لهم تباشيرُها، ومن الكفارِ حينَ عَلاَها قَتَرُهَا، و{مُّسْفِرَةٌ} معناه: نَيِّرةٌ بادٍ ضَوْءُهَا وسرورُها، والغَبْرَة التي على الكفرة: هي من العُبُوسِ كما يُرَى على وجهِ المهمومِ والميِّتِ والمرِيض شبهُ الغُبَارِ، * ص *: والقَتَرُ سوادٌ كالدُّخَانِ، قال أبو عبيدةَ: هو الغُبار، انتهى، ثم فسَّرَ سبحانَه أصحابَ هذهِ الوجوهِ المُغْبَرَّةِ بأنهم {الكفرة الفجرة}.

.تفسير سورة التكوير:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)}
قوله سبحانه: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} هذه كلُّها أوصَافُ يومِ القيامةِ، وتكويرُ الشمسِ هو أن تُدَارَ كما يُدَارُ كَوْرُ العمامةِ ويُذْهَبُ بها إلى حيثُ شَاءَ اللَّه تعالى، وعبَّر المفسرونَ عن ذلك بعباراتٍ؛ فمنهم مَنْ قال: ذهب نورُها؛ قاله قتادة، ومنهم من قال: رُمِي بها؛ قاله الربيع بن خثيم وغير ذلك مما هو أسماءٌ توابعُ لتكْويرهِا،، وانْكِدَارُ النجومِ هو انْقِضَاضُها وهبوطُها من مواضِعها، وقال ابن عباس: انكدرتْ: تغيَّرَتْ من قولهم مَاءٌ كَدِرٌ و{العشار}: جمع عُشَرَاءَ وهي الناقة التي قَدْ مَرَّ لحملِها عَشَرَةُ أشهرٍ، وهي أنْفَسُ مَا عِنْدَ العَرَبِ، وإنما تُعَطَّلُ عند أشدِّ الأهْوَال.

.تفسير الآيات (6- 14):

{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}
{وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} قال أُبَيُّ بن كعب وابن عباس وغيرهما: معناه أُضْرِمَتْ ناراً، كما يُسْجَرَ التَّنُّورُ، ويحتملُ أنْ يكونَ المعنى مُلِكَتْ وقُيِّدَتْ، فتكونُ اللفظةُ مأخوذةً من سَاجُورِ الكَلْبِ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {سُجِرَتْ} بتخفيفِ الجيمِ، والباقون بتشديدها، وتزويجُ النفوسِ: هو تَنْوِيعُها؛ لأن الأزواجَ هي الأنْواعُ، والمعنى: جَعْلُ الكافرِ مع الكافرِ والمؤمِنِ معَ المؤمِنِ، وكلِّ شكلٍ مع شكلِه؛ رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقاله عمرُ بن الخطاب وابن عباس؛ وقال: هذا نظيرُ قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثلاثة} [الواقعة: 7] وفي الآيةِ على هذا حضُّ عَلَى خَليلِ الخيرِ، فقد قال عليه السلام: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» وقال: «فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»، وعبارةُ الثعلبيِّ: قال النعمانُ بْنُ بَشِيرٍ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ}، قَالَ الضُّرَبَاء: كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَه، انتهى، وقال مقاتل بن سُلَيْمَانَ معناه: زوجتْ نُفُوسُ المؤمنينَ بزوجاتهنَّ من الحُورِ، وغيرِهِنَّ.
وقوله تعالى: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ} الموؤودةُ اسم معناه المُثْقَلُ عليها بالتُّرَاب، وغيرِه حتى تموتَ؛ وكان هذا صنيعُ بعضِ العَرَبِ ببناتِهم يدفِنُونَهن أحياءً، وقرأ الجمهور: {سِئلت} وهذا على جهةِ التوبيخِ للعربَ الفاعلينَ ذلك؛ واستدلَّ ابن عَبَّاس بهذه الآيةِ على أنَّ أولادَ المشركينَ في الجَنَّةِ، لأنَّ اللَّهَ قَدِ انتصر لَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ.
{وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} قيل: هي صُحُفُ الأَعْمَالِ، وقيل: هي الصُّحُفُ التي تَتَطَايَرُ بالأَيْمَانِ والشَّمائلِ، والكَشْطُ: التقشيرُ وذلك كما يُكْشَطُ جلدُ الشاةِ حينَ تُسْلَخُ، وكَشْطُ السَّماءِ هُو طَيُّها كَطَيِّ السِّجِلِّ، و{سُعِّرَتْ} معناه: أُضْرِمَتْ نارُها، وأزلفت الجنة معناه: قُرِّبَتْ ليدخلَها المؤمنونَ، قال الثعلبي: قُرِّبَتْ لأهلها حتى يرونها، نظيرُه، {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: 31]. {عَلِمَتْ نَفْسٌ} عندَ ذلك {مَّا أَحْضَرَتْ} من خيرٍ أو شرٍ؛ وهو جوابٌ لقولهِ {إِذَا الشمس} وما بَعْدَها، انتهى.

.تفسير الآيات (15- 23):

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)}
وقوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس} لا إمَّا زائدةٌ وإما أنْ تكونَ رَدّاً لِقَوْلِ قريشٍ في تكذيبِهم نبوةَ نبينا محمدٍ عليه السلام، ثُمَّ أَقْسَمَ تعالى بالخُنَّسِ الجوارِ الكنَّسِ، وهي في قولِ الجمهور: الدَّرَارِي السَّبْعَةُ: الشَّمْسُ والقَمَرُ وزُحَلُ وعُطَارِدُ والمرِّيخُ والزُّهْرَةُ والمُشترِي، وقال عليّ: المرادُ الخمسةُ دونَ الشمسِ والقمر؛ وذلك أنّ هذه الكواكبَ تَخْنِسُ في جَرْيها أي: تَتَقَهْقَرُ فيما تَرى العينُ، ويه جَوارٍ في السماءِ، وهي تَكْنِسُ في أَبراجها أي: تَسْتَتر، الثعلبي: وقال ابن زيدِ تَخْنِسُ؛ أي: تَتَأَخَّرُ عَنْ مَطَالِعِها كلَّ سَنَة، وتَكْنِسُ بالنَّهار، أي: تستترُ فلاَ تُرَى، انتهى، وعَسْعَسَ الليلُ في اللغةِ إذا كَان غَيْرَ مُسْتَحْكَمِ الإظْلاَمِ، قال الخليل: عَسْعَسَ الليلُ: إذا أَقْبَلَ وأَدْبَرَ، وقال الحَسَنُ: وقَعَ القَسَمُ بإقبالهِ، وقال ابن عباسٍ وغيره: بلْ وَقَعَ بإدبارهِ، وقال المبرد: أقسَمَ بإقباله وإدباره معاً، وعبارةُ الثعلبي: قالَ الحسنُ عَسْعَسَ الليلُ: أقْبَلَ بظلامِه، وقال آخرون: أدْبَرَ بظلامِه، ثم قال: والمعنيانِ يَرْجِعَانِ إلى معنًى واحدٍ، وهو ابتداءُ الظلامِ في أوله وإدباره في آخرهِ، انتهى،، وتنفَّسَ الصبحُ، اتَّسَعَ ضوءهُ، والضميرُ في إنه للقرآن، والرسولُ الكريمُ في قولِ الجمهور؛ هو جبريلُ عليه السلام وقال آخرون: هو النبي صلى الله عليه وسلم في الآيةِ كلِّها، والقولُ الأول أصحُّ، و{كَرِيمٍ} صفةٌ تَقْتَضِي رَفْعَ المذَامِّ، و{مَكِينٍ} معناه: له مكَانَة ورِفْعَة، وقال عياض في الشفا في قوله تعالى: {مطاع ثَمَّ أَمِينٍ}: أكثرُ المفسرينَ عَلى أنَّهُ نبيُّنَا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، انتهى، قال * ع *: وأجمعَ المفسرونَ على أن قولَه تعالى: {وَمَا صاحبكم} يرادُ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والضمير في رآه لجبريلَ عليه السلامُ وهذه الرؤيةُ التي كانَتْ بعْدَ أمْرِ غارِ حِراءٍ، وقيل: هي الرؤية التي رآه عند سِدْرَةِ المنتهى.

.تفسير الآيات (24- 29):

{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}
وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} بالضادِ بمعنى: بِبَخِيلِ تَبْلِيغ مَا قِيل لهُ؛ كما يَفْعَلُ الكاهِنُ حين يُعْطى حُلْوَانه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {بظنين} بالظاءِ، أي: بمتَّهَمٍ، ثم نَفَى سبحانَهُ عن القرآن أنْ يكونَ كلامَ شيطانٍ على ما قالتْ قريشٌ، و{رَّجِيمٍ} أي: مرجُوم.
وقوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} توقيفٌ وتقريرٌ والمعنى: أين المذهبُ لأحَدٍ عن هذهِ الحقائقِ والبيانِ الذي فيه شفاءٌ، {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} أي: تذكرةٌ، * ت *: رَوَى الترمذيُّ عن ابنِ عمرَ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّه أنْ يَنْظُرَ إلى يومِ القِيَامَةِ كأنَّه رَأْيُ عينٍ؛ فَلْيَقْرَأْ {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} و{إِذَا السماء انفطرت}، و{إِذَا السماء انشقت}» قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ، انتهى.